روائع مختارة | واحة الأسرة | نساء مؤمنات | آدم عليه الســلام

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > واحة الأسرة > نساء مؤمنات > آدم عليه الســلام


  آدم عليه الســلام
     عدد مرات المشاهدة: 2253        عدد مرات الإرسال: 1

أبو البشر، خلقه الله بيده وأسجد له الملائكة وعلمه الأسماء وخلق له زوجته وأسكنهما الجنة وأنذرهما أن لا يقربا شجرة معينة ولكن الشيطان وسوس لهما فأكلا منها فأنزلهما الله إلى الأرض ومكن لهما سبل العيش بها وطالبهما بعبادة الله وحده وحض الناس على ذلك، وجعله خليفته في الأرض، وهو رسول الله إلى أبنائه وهو أول الأنبياء.

خلق آدم عليه السلام:

أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكة بأنه سيخلق بشرا خليفة له في الأرض، فقال الملائكة: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}.

ويوحي قول الملائكة هذا بأنه كان لديهم تجارب سابقة في الأرض، أو إلهام وبصيرة، يكشف لهم عن شيء من فطرة هذا المخلوق، ما يجعلهم يتوقعون أنه سيفسد في الأرض، وأنه سيسفك الدماء.. ثم هم -بفطرة الملائكة البريئة التي لا تتصور إلا الخير المطلق- يرون التسبيح بحمد الله والتقديس له، هو وحده الغاية للوجود.. وهو متحقق بوجودهم هم، يسبحون بحمد الله ويقدسون له، ويعبدونه ولا يفترون عن عبادته!

هذه الحيرة والدهشة التي ثارت في نفوس الملائكة بعد معرفة خبر خلق آدم.. أمر جائز على الملائكة، ولا ينقص من أقدارهم شيئا، لأنهم، رغم قربهم من الله، وعبادتهم له، وتكريمه لهم، لا يزيدون على كونهم عبيدا لله، لا يشتركون معه في علمه، ولا يعرفون حكمته الخافية، ولا يعلمون الغيب، لقد خفيت عليهم حكمة الله تعالى، في بناء هذه الأرض وعمارتها، وفي تنمية الحياة، وفي تحقيق إرادة الخالق في تطويرها وترقيتها وتعديلها، على يد خليفة الله في أرضه. هذا الذي قد يفسد أحيانا، وقد يسفك الدماء أحيانا، عندئذ جاءهم القرار من العليم بكل شيء، والخبير بمصائر الأمور: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.

وما ندري نحن كيف قال الله أو كيف يقول للملائكة، وما ندري كذلك كيف يتلقى الملائكة عن الله، فلا نعلم عنهم سوى ما بلغنا من صفاتهم في كتاب الله، ولا حاجة بنا إلى الخوض في شيء من هذا الذي لا طائل وراء الخوض فيه. إنما نمضي إلى مغزى القصة ودلالتها كما يقصها القرآن.

أدركت الملائكة أن الله سيجعل في الأرض خليفة.. وأصدر الله سبحانه وتعالى أمره إليهم تفصيلا، فقال إنه سيخلق بشرا من طين، فإذا سواه ونفخ فيه من روحه فيجب على الملائكة أن تسجد له، والمفهوم أن هذا سجود تكريم لا سجود عبادة، لأن سجود العبادة لا يكون إلا لله وحده.

جمع الله سبحانه وتعالى قبضة من تراب الأرض، فيها الأبيض والأسود والأصفر والأحمر- ولهذا يجيء الناس ألوانا مختلفة، ومزج الله تعالى التراب بالماء فصار صلصالا من حمأ مسنون، تعفن الطين وانبعثت له رائحة.. وكان إبليس يمر عليه فيعجب أي شيء يصير هذا الطين؟

سجود الملائكة لآدم:

من هذا الصلصال خلق الله تعالى آدم.. سواه بيديه سبحانه، ونفخ فيه من روحه سبحانه.. فتحرك جسد آدم ودبت فيه الحياة.. فتح آدم عينيه فرأى الملائكة كلهم ساجدين له.. ما عدا إبليس الذي كان يقف مع الملائكة، ولكنه لم يكن منهم، لم يسجد.. فهل كان إبليس من الملائكة؟ الظاهر أنه لا، لأنه لو كان من الملائكة ما عصى، فالملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.. وسيجيء أنه خلق من نار، والمأثور أن الملائكة خلق من نور.. ولكنه كان مع الملائكة وكان مأموراً بالسجود.

أما كيف كان السجود؟ وأين؟ ومتى؟ كل ذلك في علم الغيب عند الله، ومعرفته لا تزيد في مغزى القصة شيئاً..

فوبّخ الله سبحانه وتعالى إبليس: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ}، فردّ بمنطق يملأه الحسد: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، هنا صدر الأمر الإلهي العالي بطرد هذا المخلوق المتمرد القبيح: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} وإنزال اللعنة عليه إلى يوم الدين، ولا نعلم ما المقصود بقوله سبحانه {مِنْهَا} فهل هي الجنة؟ أم هل هي رحمة الله.. هذا وذلك جائز، ولا محل للجدل الكثير، فإنما هو الطرد واللعنة والغضب جزاء التمرد والتجرؤ على أمر الله الكريم، {قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ*لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:84-85]

هنا تحول الحسد إلى حقد، وإلى تصميم على الإنتقام في نفس إبليس: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، وإقتضت مشيئة الله للحكمة المقدرة في علمه أن يجيبه إلى ما طلب، وأن يمنحه الفرصة التي أراد، فكشف الشيطان عن هدفه الذي ينفق فيه حقده: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ويستدرك فيقول: {إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} فليس للشيطان أي سلطان على عباد الله المؤمنين.

وبهذا تحدد منهجه وتحدد طريقه، إنه يقسم بعزة الله ليغوين جميع الآدميين، لا يستثني إلا من ليس له عليهم سلطان، لا تطوعاً منه ولكن عجزاً عن بلوغ غايته فيهم! وبهذا يكشف عن الحاجز بينه وبين الناجين من غوايته وكيده، والعاصم الذي يحول بينهم وبينه، إنه عبادة الله التي تخلصهم لله.

هذا هو طوق النجاة، وحبل الحياة!.. وكان هذا وفق إرادة الله وتقديره في الردى والنجاة، فأعلن سبحانه إرادته، وحدد المنهج والطريق: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ}.

فهي المعركة إذن بين الشيطان وأبناء آدم، يخوضونها على علم، والعاقبة مكشوفة لهم في وعد الله الصادق الواضح المبين، وعليهم تبعة ما يختارون لأنفسهم بعد هذا البيان، وقد شاءت رحمة الله ألا يدعهم جاهلين ولا غافلين، فأرسل إليهم المنذرين.

تعليم آدم الأسماء:

ثم يروي القرآن الكريم قصة السر الإلهي العظيم الذي أودعه الله هذا الكائن البشري، وهو يسلمه مقاليد الخلافة: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا}، سر القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات. سر القدرة على تسمية الأشخاص والأشياء بأسماء يجعلها -وهي ألفاظ منطوقة- رموزا لتلك الأشخاص والأشياء المحسوسة، وهي قدرة ذات قيمة كبرى في حياة الإنسان على الأرض. ندرك قيمتها حين نتصور الصعوبة الكبرى، لو لم يوهب الإنسان القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات، والمشقة في التفاهم والتعامل، حين يحتاج كل فرد لكي يتفاهم مع الآخرين على شيء أن يستحضر هذا الشيء بذاته أمامهم ليتفاهموا بشأنه.. الشأن شأن نخلة فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بإستحضار جسم النخلة! الشأن شأن جبل، فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بالذهاب إلى الجبل! الشأن شأن فرد من الناس فلا سبيل إلى التفاهم عليه إلا بتحضير هذا الفرد من الناس... إنها مشقة هائلة لا تتصور معها حياة! وإن الحياة ما كانت لتمضي في طريقها لو لم يودع الله هذا الكائن القدرة على الرمز بالأسماء للمسميات.

أما الملائكة فلا حاجة لهم بهذه الخاصية، لأنها لا ضرورة لها في وظيفتهم، ومن ثم لم توهب لهم، فلما علم الله آدم هذا السر، وعرض عليهم ما عرض لم يعرفوا الأسماء، لم يعرفوا كيف يضعون الرموز اللفظية للأشياء والشخوص.. وجهروا أمام هذا العجز بتسبيح ربهم، والإعتراف بعجزهم، والإقرار بحدود علمهم، وهو ما علمهم.. ثم قام آدم بإخبارهم بأسماء الأشياء، ثم كان هذا التعقيب الذي يردهم إلى إدراك حكمة العليم الحكيم: {قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ}.

أراد الله تعالى أن يقول للملائكة إنه عَلِمَ ما أبدوه من الدهشة حين أخبرهم أنه سيخلق آدم، كما علم ما كتموه من الحيرة في فهم حكمة الله، كما علم ما أخفاه إبليس من المعصية والجحود.. أدرك الملائكة أن آدم هو المخلوق الذي يعرف.. وهذا أشرف شيء فيه.. قدرته على التعلم والمعرفة.. كما فهموا السر في أنه سيصبح خليفة في الأرض، يتصرف فيها ويتحكم فيها.. بالعلم والمعرفة.. معرفة بالخالق.. وهذا ما يطلق عليه أسم الإيمان أو الإسلام.. وعلم بأسباب إستعمار الأرض وتغييرها والتحكم فيها والسيادة عليها.. ويدخل في هذا النطاق كل العلوم المادية على الأرض.

إن نجاح الإنسان في معرفة هذين الأمرين -الخالق وعلوم الأرض- يكفل له حياة أرقى.. فكل من الأمرين مكمل للآخر.

سكن آدم وحواء في الجنة:

أختلف المفسرون في كيفية خلق حواء، ولا نعلم إن كان الله قد خلق حواء في نفس وقت خلق آدم أم بعده لكننا نعلم أن الله سبحانه وتعالى أسكنهما معا في الجنة، لا نعرف مكان هذه الجنة. فقد سكت القرآن عن مكانها وإختلف المفسرون فيها على خمسة وجوه.

قال بعضهم: إنها جنة المأوى، وأن مكانها السماء، ونفى بعضهم ذلك لأنها لو كانت جنة المأوى لحرم دخولها على إبليس ولما جاز فيها وقوع عصيان، وقال آخرون: إنها جنة المأوى خلقها الله لآدم وحواء، وقال غيرهم: إنها جنة من جنات الأرض تقع في مكان مرتفع. وذهب فريق إلى التسليم في أمرها والتوقف.. ونحن نختار هذا الرأي، إن العبرة التي نستخلصها من مكانها لا تساوي شيئا بالقياس إلى العبرة التي تستخلص مما حدث فيها.

لم يعد يحس آدم الوحدة، كان يتحدث مع حواء كثيرا، وكان الله قد سمح لهما بأن يقتربا من كل شيء وأن يستمتعا بكل شيء، ما عدا شجرة واحدة، فأطاع آدم وحواء أمر ربهما بالإبتعاد عن الشجرة، غير أن آدم إنسان، والإنسان ينسى، وقلبه يتقلب، وعزمه ضعيف، وإستغل إبليس إنسانية آدم وجمع كل حقده في صدره، وإستغل تكوين آدم النفسي.. وراح يثير في نفسه يوما بعد يوم، راح يوسوس إليه يوما بعد يوم: {هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى}.

تسائل أدم بينه وبين نفسه، ماذا يحدث لو أكل من الشجرة..؟ ربما تكون شجرة الخلد حقا، وكل إنسان يحب الخلود، ومرت الأيام وآدم وحواء مشغولان بالتفكير في هذه الشجرة، ثم قررا يوما أن يأكلا منها، نسيا أن الله حذرهما من الإقتراب منها، نسيا أن إبليس عودهما القديم، ومد آدم يده إلى الشجرة وقطف منها إحدى الثمار وقدمها لحواء، وأكل الاثنان من الثمرة المحرمة.

ليس صحيحا ما تذكره صحف اليهود من إغواء حواء لآدم وتحميلها مسئولية الأكل من الشجرة، إن نص القرآن لا يذكر حواء، إنما يذكر آدم -كمسئول عما حدث- عليه الصلاة والسلام، وهكذا أخطأ الشيطان وأخطأ آدم، أخطأ الشيطان بسبب الكبرياء، وأخطأ آدم بسبب الفضول.

لم يكد آدم ينتهي من الأكل حتى إكتشف أنه أصبح عار، وأن زوجته عارية، وبدأ هو وزوجته يقطعان أوراق الشجر لكي يغطي بهما كل واحد منهما جسده العاري، وأصدر الله تبارك وتعالى أمره بالهبوط من الجنة.

هبوط آدم وحواء إلى الأرض:

وهبط آدم وحواء إلى الأرض. وإستغفرا ربهما وتاب إليه، فأدركته رحمة ربه التي تدركه دائما عندما يثوب إليها ويلوذ بها... وأخبرهما الله أن الأرض هي مكانهما الأصلي.. يعيشان فيهما، ويموتان عليها، ويخرجان منها يوم البعث.

يتصور بعض الناس أن خطيئة آدم بعصيانه هي التي أخرجتنا من الجنة، ولولا هذه الخطيئة لكنا اليوم هناك، وهذا التصور غير منطقي لأن الله تعالى حين شاء أن يخلق آدم قال للملائكة: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} ولم يقل لهما إني جاعل في الجنة خليفة، لم يكن هبوط آدم إلى الأرض هبوط إهانة، وإنما كان هبوط كرامة كما يقول العارفون بالله، كان الله تعالى يعلم أن آدم وحواء سيأكلان من الشجرة، ويهبطان إلى الأرض، أما تجربة السكن في الجنة فكانت ركنا من أركان الخلافة في الأرض، ليعلم آدم وحواء ويعلم جنسهما من بعدهما أن الشيطان طرد الأبوين من الجنة، وأن الطريق إلى الجنة يمر بطاعة الله وعداء الشيطان.

هــابيل وقــابيل:

يذكر لنا المولى عزّ وجلّ في كتابه الكريم الكثير عن حياة آدم عليه السلام في الأرض، لكن القرآن الكريم يروي قصة إبنين من أبناء آدم هما هابيل وقابيل، حين وقعت أول جريمة قتل في الأرض، وكانت قصتهما كالتالي.

كانت حواء تلد في البطن الواحد ابنا وبنتا. وفي البطن التالي ابنا وبنتا. فيحل زواج ابن البطن الأول من البطن الثاني.. ويقال أن قابيل كان يريد زوجة هابيل لنفسه.. فأمرهما آدم أن يقدما قربانا، فقدم كل واحد منهما قربانا، فتقبل الله من هابيل ولم يتقبل من قابيل، قال تعالى في سورة (المائدة): {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ*لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَإِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة:27-28]

لاحظ كيف ينقل إلينا الله تعالى كلمات القتيل الشهيد، ويتجاهل تماما كلمات القاتل، عاد القاتل يرفع يده مهددا.. قال القتيل في هدوء: {إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} [المائدة:29]

إنتهى الحوار بينهما وانصرف الشرير وترك الطيب مؤقتا، بعد أيام.. كان الأخ الطيب نائما وسط غابة مشجرة.. فقام إليه أخوه قابيل فقتله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل»، جلس القاتل أمام شقيقه الملقى على الأرض، كان هذا الأخ القتيل أول إنسان يموت على الأرض.. ولم يكن دفن الموتى شيئا قد عرف بعد، وحمل الأخ جثة شقيقه وراح يمشي بها.. ثم رأى القاتل غرابا حيا بجانب جثة غراب ميت، وضع الغراب الحي الغراب الميت على الأرض وساوى أجنحته إلى جواره وبدأ يحفر الأرض بمنقاره ووضعه برفق في القبر وعاد يهيل عليه التراب.. بعدها طار في الجو وهو يصرخ.

إندلع حزن قابيل على أخيه هابيل كالنار فأحرقه الندم، اكتشف أنه وهو الأسوأ والأضعف، قد قتل الأفضل والأقوى، نقص أبناء آدم واحدا، وكسب الشيطان واحدا من أبناء آدم، وإهتز جسد القاتل ببكاء عنيف ثم أنشب أظافره في الأرض وراح يحفر قبر شقيقه.

قال آدم حين عرف القصة: {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ} وحزن حزنا شديدا على خسارته في ولديه، مات أحدهما، وكسب الشيطان الثاني، صلى آدم على إبنه، وعاد إلى حياته على الأرض: إنسانا يعمل ويشقى ليصنع خبزه. ونبيا يعظ أبنائه وأحفاده ويحدثهم عن الله ويدعوهم إليه، ويحكي لهم عن إبليس ويحذرهم منه، ويروي لهم قصته هو نفسه معه، ويقص لهم قصته مع ابنه الذي دفعه لقتل شقيقه.

موت آدم عليه السلام:

وكبر آدم، ومرت سنوات وسنوات.. وعن فراش موته، يروي أبي بن كعب، فقال: إن آدم لما حضره الموت قال لبنيه: أي بني، إني أشتهي من ثمار الجنة، قال: فذهبوا يطلبون له، فإستقبلتهم الملائكة ومعهم أكفانه وحنوطه، ومعهم الفؤوس والمساحي والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ أو ما تريدون وأين تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم: ارجعوا فقد قضي أبوكم، فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم فلاذت بآدم، فقال: إليك عني فإني إنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل، فقبضوه وغسلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه ثم أدخلوه قبره فوضعوه في قبره، ثم حثوا عليه، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم.

وفي موته يروي الترمذي: حدثنا عبد بن حميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة، وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصاً من نور، ثم عرضهم على آدم فقال: أي رب من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلاً فأعجبه وبيص ما بين عينيه، فقال: أي رب من هذا؟ قال هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، قال: رب وكم جعلت عمره؟ قال ستين سنة، قال: أي رب زده من عمري أربعين سنة. فلما انقضى عمر آدم جاءه ملك الموت، قال: أو لم يبق من عمري أربعون سنة؟ قال: أو لم تعطها ابنك داود؟ قال فجحد فجحدت ذريته، ونسي آدم فنسيت ذريته، وخطىء آدم فخطئت ذريته».

الكاتب: أبو علي.

المصدر: شبكة الصوت الإسلامي.